قصور الفرس و الروم ..في يوميات الشعب المهموم

ظاهرة غريبة حيرتني في السنوات الأخيرة من حيث الإفراط في بناء السكنات من طرف المواطنين بشكل يدعو إلى التساؤل عن خلفيات الظاهرة و إذا استمرت الحالة على هذا المنوال فمن المؤكد ان الزمن القادم سيجعلنا نفكر في البحث عن تحصيصات عقارية في كوكب المريخ ..و اذكر ان احدهم دعاني يوما الى منزله بعنابة فلما وصلت إلى عين المكان لم اعرف كيف ادخل إليه لأنه ببساطة لا يوجد فيه باب و حتى النوافذ و تخيلت نفسي إنني في مغارة علي بابا أو قصر مسكون بالجن و العفاريت فلما اتصلت بالمعني عبر النقال ضحك مني و أمر بفتح الباب بطريقة الكترونية و إذا بالبوابة تفتح شبيك لبيك و عندما دخلت أصبت بالذهول و كان البيت متاهة سحرية و أصارحكم إنني تعذبت حتى التقيت بصاحب البيت الذي راح يشرح لي التصميم و ان جلب مواد البناء من دول أوروبا و آسيا و كلفه مبلغ 15 مليار سنتيم ..للتذكير ان صاحبنا لا ينجب أطفالا و يعيش بهذا القصر مع زوجته ووالدته ..
في الحقيقة زرت العديد من دول العالم العربية منها و الأعجمية فلم اتفاجا بوجود فيلات و قصور سكنية بهذا الشكل المفرط و تساءلت عن سر معيشة صاحبنا الذي يستدعي لقاء زوجته خريطة طبوغرافية و لما سالت عنه قالوا لي انه كان يعاني أزمة سكن و يقطن براكة غمرتها مياه الوادي و تشرد لسنوات ليشيد هذا القصر دون ان نسال عن الطريقة ..و الظاهرة بدأت تتفشى في كل إرجاء الوطن ففي بلدية عين امليلة صادفني قصر عملاق يفوق قصر دراكيلا مصاص الدماء برومانيا و يفوق عمرانا من قصر فرساي بفرنسا و يمكن ان يكون مقرا لرئاسة الجمهورية و صدقوني انه أكثر مساحة و تشكيلا من البيت الأبيض الأمريكي جعله صاحبه مخزنا لبضائعه ..و ذكرتني الصورة بالفراعنة الذين كانوا يفرطون في بناء قصورهم لدرجة أنهم فكروا في بناء الأهرامات كقبور لهم إيمانا منهم بوجود حياة بعد الموت يبعثون فيها فراعنة فكانوا يدفنون معهم الجوارى و الخدم و الممتلكات و ربما يفكر أصحاب الفيلات العملاقة عندنا بنفس المنطق و كأنهم سيعيشون ابد الدهر و لهذا سيأتي علينا يوما تتحول فيه تلك الفيلات إلى مدافن لساكنيها ..
الأمريكيون أكثر الشعوب تقدما يفضلون البيوت الخشبية في البراري أسقفها من النباتات الطبيعية و حولهم الخيول و الحيوانات البرية لأنهم يعيشون الإنسانية في أنفسهم و نحن ننفق الملايير في بناء سكنات غير قابلة أصلا للسكن صحيح إن الإسلام ينصح بالمسكن الواسع لكن سعته محددة بوضع اجتماعي معين لضبط العلاقات الأسرية أما سعة أصحابنا فهي خيالية لدرجة ان بيوتهم يمكن أن تتحول إلى استوديوهات لإخراج أفلام سينمائية تؤرخ للحروب الكبرى في التاريخ ..و هذا لا يبرر إلا أزمة عميقة في نفسية الجزائريين التي نتجت عن أوضاع سكنية مزرية ميزتها السنوات الماضية و زادت من عدد الأحياء القصديرية و التجمعات الفوضوية و المحتشدات السكنية الفقيرة و ارتفاع أسعار العقار و ظاهرة استئجار المساكن و التحول السيوسيولوجي للأسرة الجزائرية التي بدأت في التفكك لدرجة ان احدهم في منطقتنا استأجر لزوجته سكنا محاذيا لأنه لا يطيق معاشرتها و حسب علمي فان كثرة العمران و التنافس في علوه من علامات القيامة الكبرى اللهم نعوذ بك من ضيق القلوب و إرهاب المساكن