القاموس المجهول .. في سجل أسماء المدن المعلول

عندما نتجول في أرجاء بلدنا نتفاجا بأسماء غريبة و هجينة دون معنى لمدننا و قرانا لا تعبر إلا عن صنمية و ارتجالية و لا تعكس تاريخ المنطقة و لا أصالتها و لا ارتباطها بأحداثها و لا برموزها و لا بمميزاتها و لاحظت أن اغلب مدننا تحمل أسماء العيون و الينابيع الطبيعية عين التين و عين بوسيف و عين ملوك و عين مليلة أو أسماء الألوان عين البيضاء و رأس الحمراء و الزرقاء و الكحلاء و الصفراء أو أسماء حيوانات بوكبش و العجول و معيزة و نعيجة و السردوك و بوجاجة و بغيلة أو أسماء أشجار كالكاليتوس و الصنوبر و البلوط و الكرمة أو أسماء الجماد كحجيرة و البير والجبل والقلعة و الرقعة و الواد أو أسماء أعضاء الجسم كالفم و الخشم و الرقبة و الظهر أو أسماء أمهات مجهولات الهوية كام الطوب و أم البواقي و أسماء طريفة مثل كحالش كبار و صالح صالح صالح و شيقارة و مينار زارزة و الشقفة و تاكسانة و أسماء الخضر و الفواكة كالبسباس و الزعرورية و العنب و الفول و التفاح ..
هو قاموس ثري بتلك الأسماء الغريبة كثير منها لازال يعرف بأسماء المستوطنين الفرنسيين و كان قاموسنا اللغوي عاقرا رغم ان هذا البلد الممتد في جذور التاريخ يملك من رصيد الأحداث و الأبطال ما يجعلنا في غنى عن هذه الأسماء الغريبة سواء من صانعي مجد ممالك نوميديا كيوغرطة و ماسينيسا ويوبا و تاكفاريناس أو مفجري المقاومة المسلحة كبوعمامة و المقراني و الحداد أو الفاتحين العرب لبلاد المغرب كابي المهاجر الدينار و زهير بن قيس البلوي و عبد الله بن أبي سرح و يكفينا مليون و نصف مليون شهيد لتسمية مدن و قرى الجزائر أو ما تبعها من جيل الاستقلال و ما أنجبته هذه الأمة من رموز و عمالقة مبدعين في الفن و الأدب و السياسة و الرياضة و الصحافة و ما نملكه من معارك شهيرة و ملاحم أسطورية و شواهد حضارية
لابد ان نكرس ثقافة تاريخ المكان ليمثل جزءا من مكونات الأمة و حفظ تراثها و ماضيها بدل العبث بجغرافية التاريخ بكلمات هيروغليفية أو مسمارية و بمصطلحات شياطنية و خرافية لا علاقة لها بواقعنا ..
عندما زرت رومانيا منذ سنوات تجولت في تسع مدن ساحلية تطل على البحر الأسود تطلق عليها أسماء الكواكب السيارة للمجموعة الشمسية التي لا يحفظها تلاميذ التعليم الثانوي عندنا و مدن أخرى تسمى بأبطال زعماء رومانيا الذين كانوا يحاربون الإقطاعية في القرون الوسطى أو النازية في الحرب العالمية الثانية و شعرت أنني أتجول بين السماء و الأرض في مدن تحولت إلى دروس في التاريخ و الجغرافيا و نحن عندنا نتجول في مدن كأنها تسكنها الجن أو الأطباق الطائرة من أكوان أخرى لا هدف و لا معنى و لا حتى بعد جمالي و لغوي و تزداد حيرتي عندما يقول لي احد أنني ذاهب إلى رأس الكلب أو الطنجرة أو عينين الطاوس أو بريبقة أو ذيل بلارج صدقوني اشعر و كأنني أتوجه إلى أدغال إفريقيا لألتقي بآكلي لحوم البشر
حان الوقت ان تؤسس السلطات العمومية مركزا وطنيا لأسماء المدن و البشر حتى لا نعود ننادي بعضنا بأصوات الحيوانات و حان الوقت ان تحل لجان الإطارات المثقفة محل الأميين في ترسيم التسميات الرسمية لأنه إذا استمر الوضع بهذه الكيفية فلن يقرا احد غير الجزائري خريطة الجزائر و بكل لغات العالم و سيلجأ إلى فك تشفيرها من المشعوذين و قراء الطالع ..و في الأخير أعلمكم بأنني اسكن مدينة الذرعان ..